ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعث جيشًا فيهم عبد الله بن رواحة وجابر، فلما صافوا المشركين أقبل رجلٌ منهم يسب رسول الله، فقام رجل من المسلمين فقال: أنا فلان بن فُلان، وأمي فلانة، فَسُبَّني وسُبَّ أمي، وكُفَّ عن سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فلم يزده ذلك إلا إغْرَاء، فأعاد مثل ذلك، وعاد الرجل مثل ذلك، فقال في الثالثة: لَئنْ عُدت لأرْحَلَنَّك بسيفي، فعاد، فحمل عليه الرجل، فولّى مُدبراً، فاتَّبعه الرجل حتى خرق صفوف المشركين، فضربه بسيفه، وأحاط به المشركون فقتلوه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أَعَجِبْتُمْ مِنْ رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَه؟" ثم إن الرجل برئ من جراحه، فأسلم، فكان يسمى الرحيل".
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمدٍ منكم وقاء
* منهج قديم جديد..
هذه القصة التي ذكرها الإمام ابن تيمية، وغيرها الكثير، تدل على أن سب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منهج قديم جديد، لم يكن بعد موته - صلى الله عليه وسلم- فقط ، بل كان في حياته أيضًا .
روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: "كان رجلا نصرانيًا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم-، فعاد نصرانيًا، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبتُ له، فأماته الله.. فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له وأعمقوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه".
فهذا الذي افترى على النبي أنه ما كان يدري إلا ما كُتب له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مرارًا، وهذا أمر خارج عن العادة، يدل على أن هذا عقوبة لما قاله وأنه كان كاذبًا.. فالموتى - عادة - لا يصيبهم مثل هذا، كما أنه يدل على أن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد عن الدين، إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وهو يدل أيضًا على أن الله منتقم لرسوله ممن طعن فيه وسبه، وأنه مظهر دينه، وأنه يفضح الكاذب إذا لم يتمكن الناس أن يقيموا عليه الحد.
وانظر إلى الرسام الدانماركي الذي سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، كيف يعيش حياته الآن، إن فنادق الدانمارك تأبى أن تستقبله أو تؤويه، وأنه يعيش طريدًا خائفًا في بلده وبين بني جلدته.
وينقل لنا الإمام ابن تيمية (رحمه الله) صورة من أفواه بعض الفاتحين المسلمين قالوا: "كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة".
* الدوافــــع
هناك العديد من الدوافع القديمة والجديدة وراء إعادة نشر هذه الرسوم المسيئة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – الربح التجاري:
فبعض الصحف تعيش أزمة نشر وتوزيع حقيقية، وهي تريد تحقيق رقم مبيعات أعلى لتنقذ نفسها من شبح الإفلاس والإغلاق، وهو ما ذكره المفكر المغربي "المقري" في حواره بموقع إسلام أون لاين في 22 / 3 / 2006 ودلّل عليه بأن أول جريدة فرنسية نشرت الرسوم، وهي "فرانس سوار" كانت تعيش أزمة نشر وتوزيع، إذ كان رقم مبيعاتها اليومي في الستينيات مليون ونصف نسخة، وصار الآن أقل من 45 ألف نسخة، ومثلها الكثير من الصحف الدانماركية، التي تبحث لنفسها عن حدث ما أو خبر ما - كتلك الرسوم - لتستثير بها قومًا آخرين، ومن ثم تعود مبيعاتها إلى الارتفاع مرة أخرى، وتنجو بنفسها من شبح الإفلاس أو الإغلاق.
2 – تحدي مشاعر المسلمين:
وهو دافع استفزازي كان أكثر وضوحاً؛ لأن عملية تعميم نشر هذه الصور قد بدأ مثل رقعة الزيت وانتقل من الدانمارك إلى غالبية الدول الأوروبية في الأزمة الأولى، ثم أُعيد نشره في (17) صحيفة في الأزمة الأخيرة.
3 – تعجيز أمة الإسلام:
فإذا كان المسلمون يطالبون بمقاطعة البضائع الدانماركية، فليكن النشر في كل الدول التي تبيع العرب والمسلمين تكنولوجيا يحتاجون إليها وسلعًا هم مرتبطون بها حيويًا كشعوب مستهلكة للأسف، حتى يتعسر الأمر عليهم ويعجزوا بذلك عن مقاطعة الغرب كله.
4 – العدوانية والتعصب:
وهو ما أثبته أحد المتخصصين في مجال الطب النفسي، بعد أن قام بتحليل هذه الظاهرة، وأثبت أن هذه الرسوم تظهر ميولاً سادية ونزعات عدوانية.
يقول الدكتور رامز طه – استشاري الطب النفسي- في دراسة حديثة نشرها بموقعه : "لقد وجدت الكثير من دلالات العدوانية والتعصب عند تحليل هذه الرسومات المسيئة، فعلى سبيل المثال: أظهرت كثير من هذه الرسوم المبالَغة في حجم الرأس وتأكيد ملامح الوجه بصورة قبيحة، ويعتبر هذا دلالة اهتمام الرسام بالمظاهر الخارجية، وانعكاس لعدوان مكبوتٍ يصاحبه في نفس الوقت اعتراف لا شعوري بقوة الشخص المرسوم ومكانته .
وأضاف أنه ظهر في رسوم أخرى عدم وجود الفم مطلقًا، رغم وجود باقي ملامح الوجه، ويعتبر ذلك من الدلالات اللاشعورية على ميل الرسام لرفض الاستماع للآخر، ربما هروبًا أو خوفًا من قوة الحجة والاستمرار في إنكار الحقيقة، التي جاء بها الرسول، كما قد تشير إلى العدوان السلبي بالترك، وقد يكون دلالة أيضًا على تضخم الذات ورفض التواصل مع الآخر .
وبيّن أنه في أكثر من رسم أظهر الرسام الفم بخطوط بيضاوية أو منحنية مع إبراز الأسنان وتأكيدها، مما يعتبر دلالة على الميول السادية والنزعات العدوانية للرسام أيضًا.
وقال الدكتور رامز طه: لقد "رسم هؤلاء الرسامين أنفسهم، وأسقطوا على الرسوم خبايا نفوسهم المريضة، وليتهم قرأوا عن جمال وجهه الشريف وطهارة سلوكه العفيف - صلى الله عليه وسلم-".
إن هذه الرسوم - والكلام للدكتور طه - تشير إلى انتقال الغرب من مرحلة الإسلاموفوبيا - والتي تعني الخوف من الإسلام - إلى الإسلاموكوست - والتي تعني كي وحرق مشاعر المسلمين بهذه الحملة من الاستهزاء والسخرية والإهانة، لأسمى رموز الإسلام - لا سيما وأنه لم يصدر من المسلمين ما يشوه أو يسخر من أي عقيدة أو ديانة أو أي رسول من الرسل" .
* لا تحسبوه شرًا لكم ..
إن العاقل لا يستسلم للأوضاع السيئة ولا يرضخ للأحداث الأليمة، بل يحسن به أن ينظر نظرة أخرى مغايرة لما ينظر إليه أكثر المسلمين ، وهي النظرة الإيجابية لهذا الحدث (رغم سوئه وبشاعته) أو الفوائد التي تعود على هذه الأمة من هذا الحدث، ولعل من بين تلك الفوائد ما يلي:
إحياء الأمة الإسلامية من مواتها، وإيقاظها من نومها، وتحريك عوامل الغيرة على دينها في نفوسها. يقول شيخ الإسلام بن تيمية (مجموع الفتاوى 28 / 58 (: "ومن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه فيُحق الحقَّ بكلماته ويقذفُ بالحقِّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق"،" يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" ( الصف 8 ).
وصدق الشيخ الغزالي عندما قال: "إن الطحالب العائمة لا تُوقف السفن الماخرة".
زيادة أعداد المسلمين الداخلين في الإسلام، ولك أن تعرف أن في بلد كفرنسا يدخل فيه - بعد إثارة مثل هذه الأزمات - (40) فرنسيًا كل يوم.
إقبال المسلمين على قراءة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم-، والاطلاع على سننه وتطبيقها في مجال حياتهم.
طباعة أكثر من) 17.000( سبعة عشر ألف كتاب منذ الأزمة الأولى وحتى الآن، تتحدث عن سيرته - صلى الله عليه وسلم-، ومنها ما تُرجم إلى لغات عديدة.
زيادة محبة النبي - صلى الله عليه وسلم-في قلوب المسلمين، مصداقًا لما رواه البخاري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم-قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ".
إيجابية المسلمين في تعاملهم مع الحدث، وتفعيلهم سلاح المقاطعة للبضائع الدانماركية وغيرها من البلدان، التي تتجرأ على سب النبي - صلى الله عليه وسلم-، وهو ما عبّر عن خطورته بعض الدانماركيين بقولهم: "ما بنيناه في أربعين سنة خسرناه في أسبوع واحد ".
تحقيق الولاء للمؤمنين والبراءة من أعداء الدين، الذين يعادوننا ويسبون الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- ويدنسون كتابه.
التعرف على العداوة التي يكنها كثير من اليهود والنصارى تجاه المسلمين، يقول الله تعالى: "قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ" (آل عمران، الآية: 118).
ولا نريد مما ذكرناه آنفاً تخدير الأمة أو الدعوة إلى رضاها بالأمر الواقع، أو أن يقول السطحيون من أبنائها ندعهم يسبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم- طالما أن الأمر سيعود علينا بمثل هذه الفوائد، لا، إذْ لابد أن يُظهر المسلم اعتزازه بدينه ورسوله وكتابه، ويعلم أن هذا من مكر الله تعالى لنا ومكره سبحانه بهم، فهم يريدون أمرًا والله تعالى يريد أمرًا آخر "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (الأنفال: 30)، وليعلم العالم كله أن مثل هذه الأمور بمثابة خطوط حمراء عندنا، لا نقبل بها، ولا نرضى عنها، ومن رجع إليها رجعنا إلى معاداته ومقاطعته، مصداقًا لقول الله تعالى في القرآن الكريم : " وإن عدتم عدنا" (الإسراء:8)..
* واجباتنـــــا..
وهذه بعض الواجبات العملية التي تساعدنا في الذود عن نبينا - صلى الله عليه وسلم-
الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم- في حياتنا كلها : الخاصة والعامة، الأسرية والمجتمعية، الفردية والجماعية.
إحياء سنته وتطبيقها في واقع الحياة، والحرص على تعليمها لمن لا يعلم بالحكمة والموعظة الحسنة.
الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به أو نقص ينسب إليه ، كما قال تعالى : " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه " (الفتح : 9) .
تخصيص درس كل أسبوع عن السيرة النبوية تجتمع عليه الأسرة كلها.
تشجيع الأبناء على حفظ أذكار وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم- وخاصة ما يتعلق منها بالجوانب الحياتية مع متابعة تطبيق ذلك، والتشجيع عليه بالمسابقات والجوائز وغيرها.
ممارسة الدعوة إلى الله تعالى، وذلك لنستشعر مقدار البذل والتضحية التي قدمها النبي - صلى الله عليه وسلم- من أجل توصيل هذا الدين إلينا جميعًا.
تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى عامة الناس حول سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم-، والدعوة إلى التمسك بما صح عنه بأسلوب بسيط واضح.
الاهتمام بالدفاع الإلكتروني، عبر إنشاء مواقع ومنتديات وتخصيص نوافذ في المواقع القائمة تهتم بسيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم- وتبرز رسالته العالمية، مع ضرورة ترجمة ذلك إلى كل لغات العالم.
طباعة مجموعات من الأشرطة والـ CD والـDVD باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات، وتوزيعها على المراكز الغربية وأماكن تجمعات الأوروبيين للتعريف بالإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم-.
الدعوة لإنشاء مشروعات كثيرة ووقفيات كبيرة للتعريف بالإسلام ونبي الإسلام، وذلك في كل دولة من الدول الإسلامية، يستفاد من ريعها في إنشاء مراكز متخصصة في البلدان الأوروبية، مع توظيف دعاة متخصصين في الدعوة والفكر ليتولوا قيادة هذه المؤسسات.
مقاطعة البضائع الدانماركية مقاطعة حقيقية وفعالة ومستمرة؛ لأنها هي التي بدأت كصحيفة، وأصرت كدولة على عدم الاعتذار، وتلقينهم درسًا اقتصاديًا قاسيًا وطويلاً، ثم ليصبح ذلك درسًا لكل من تسول له نفسه الإساءة لمقدساتنا وشعائرنا.
إقامة ندوات وحلقات نقاشية في كوبنهاجن والعواصم الأوروبية وغيرها، والاستفادة من الغربيين الذين أسلموا في توصيل الجانب الحضاري المشرق في الإسلام إلى أقوامهم، مما يسهم في رسم صورة مغايرة عن الإسلام في أذهان الغربيين: "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم " (الممتحنة 7).
البعد عن دعوات العنصرية أو الطائفية، أو السباب والشتائم، أو القيام بأية أعمال تخالف القوانين ويكون من شأنها استفزاز المجتمع الغربي وقيامه بردود أفعال عدائية تجاه المسلمين الأوروبيين: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم" (الأنعام: 108) ؛ لأن المسلم غايته شريفة ووسيلته شريفة أيضًا، وإنما نستثمر كل الوسائل السلمية والقانونية للتأكيد على حقوقنا المشروعة.
السبت، 22 مارس 2008
&الرسوم المسيئه&نظره وسطيه
------------------------
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
بارك الله فيك
إلا رسول الله
بأبي أنت وأمي يا رسول الله
لن تزيدنا رسوماتهم الا محبة لك
ولسوف نبغضهم الى قيام الساعة ..
الا لعنة الله على القوم الكافرين ..
إرسال تعليق